عندما يقع المسوّق في مستنقع أفكاره – الجزء الأول

لا لن ينتهي به الأمر إلى المهزلة على غرار مسمى الفيلم الشهير، وإنما قد يصل الأمر إلى الكارثة سواء على المسوّق نفسه أو على العلامة التجارية التي يعمل لها. ولكن كيف يمكن لأفكار المسوق أن تقوده إلى الفشل وتسبب الكوراث؟ أليس من المفترض أن التسويق مبني على الأفكار الإبداعية؟ هل تغير شيء في المهنة ونحن لا نعلم؟

بالتأكيد لم يتغير شيء، التسويق هو التسويق، وكما جرت العادة، كل مسوّق يبدأ رحلته التسويقية بحماس وطموح، يحمل في جعبته أفكاراً ملهمة وإبداعية، ولكن في العديد من الأحيان، يمكن للمسوّق أن يجد نفسه يغرق في مستنقع من الأفكار، وهو يجاهد للخروج منه وتحقيق النجاح. تلك اللحظات التي يفقد فيها المسوّق الاتجاه ويغلبه الارتباك، تكون البداية للسقوط في الأخطاء الكارثية التي تعرقل نجاح حملات التسويق والجهود الإبداعية.

لذا، سوف نعرض عزيزي المسوّق في هذه السلسلة المقالية بعض الأخطاء الشائعة التي يرتكبها المسوّقون نتيجة أفكار أو موروثات بعيدة كل البعد عن فن التسويق الحقيقي، وسنستعرض كيف يمكن تصحيح تلك الأفكار والتغلب عليها من خلال تطبيق خطوات عملية وفعّالة.

فخ التكتيكات الجاهزة: عندما تُغرق الاستراتيجية

أحد أكبر الأخطاء التي يرتكبها المسوّقون هي الانحياز للتكتيكات الجاهزة بدل الاستراتيجية المُحكمة. فكثير منهم يغرق في استخدام النهج السريع الذي لا يعتمد على رؤية متكاملة واستراتيجية مدروسة. يندفعون لاستخدام أحدث الأدوات والمنصات دون وضع خطة استراتيجية تحدد أهدافهم وتحدد الطريق للوصول إليها.

هذا النوع من الانحياز يُعوق الإبداع والابتكار في التسويق، حيث ينظر المسوّقون إلى الحلول السريعة كمخرج من التحديات المتنوعة التي يواجهونها. يُعتقد أن هذا النوع من الحلول الفورية سيوفر الوقت والجهد دون الحاجة إلى تخطيط مسبق أو استراتيجية شاملة.

أتفهم عزيزي المسوّق أنك قد تلجأ إلى هذا النهج نتيجة ضغط صاحب العمل الذي يريد نتائج سريعة، أو نتيجة وقوعك ضحية للتارجت وآلامه، ولكن للأسف عزيزي المسوّق، إن خطر هذا الانحياز يكمن في أنه يؤدي إلى نتائج ضعيفة وعادةً ما يكون له تأثير سلبي على الجودة وفاعلية الحملات التسويقية. فهو يتسبب في فقدان التركيز على الأهداف الأساسية للعلامة التجارية والجمهور المستهدف.

إضافةً إلى ذلك، يمكن أن يؤدي هذا الانحياز إلى عدم استفادة كاملة من إمكانيات الابتكار والتجديد. المسوّقون الذين يعتمدون فقط على التكتيكات الجاهزة قد يفتقدون الفرصة لاكتشاف مزايا جديدة أو طرق مبتكرة للتفاعل مع الجمهور.

ومن الجدير بالذكر أن هذا النمط من العمل يزيد من انحراف الاهتمام بعيدًا عن تحليل البيانات واستخدامها بشكل فعّال. فالتكتيكات الجاهزة قد تكون عرضة للفشل إذا لم يتم توجيهها وفقًا لاحتياجات وسلوكيات الجمهور المستهدف.

لذا، أنصحك صديقي المسوّق أن تستدعي قلب الأسد الذي بداخلك وتواجه مديرك أو صاحب العمل بالحقيقة كاملة وبمنتهى المهنية، وأن تصف له الموقف في جميع الأحوال، اجعله يرتعب من النتائج السريعة المزيفة، ولكن ليس هذا كل شيء، يجب قبل كل ذلك أن تتسلح ببعض الأفكار والتكتيكات لتقتنع أنت قبل أن تقنع غيرك، وللتغلب على هذا الانحياز، يجب عليك اتباع الآتي:

  • الاستثمار في وضع استراتيجيات مدروسة: قبل البدء في أي حملة تسويقية، يجب وضع استراتيجية محكمة. هذه الاستراتيجية يجب أن تحدد الأهداف والجمهور المستهدف والرسالة والخطط لتحقيق الأهداف وتعتمد على فهم عميق للسوق واحتياجات الجمهور.
  • التحليل البياني والبيانات: قم بالاستفادة من التحليل البياني والبيانات المتاحة. هذه البيانات توفر رؤى قيمة حول سلوك العملاء وأفضل الطرق للوصول إليهم.
  • استخدام تكتيكات متنوعة: لا تعتمد فقط على تكتيكات واحدة. جرب واختبر مجموعة متنوعة من التكتيكات لتحديد الأنسب والأكثر فعالية لجمهورك.
  • التكيف والتطور: قم بتقييم وتحليل النتائج باستمرار، وكن مستعدًا للتكيف وتعديل الاستراتيجية بناءً على البيانات والتحليلات.
  • الاستثمار في الإبداع: استخدم الإبداع والابتكار في تصميم استراتيجيات جديدة. الابتكار يمكن أن يفتح الأبواب لفهم أفضل لاحتياجات الجمهور وابتكار الطرق الجديدة للتواصل معهم.
  • التفكير الاستراتيجي بدلا من الحلول السريعة: تجنب الوقوع في فخ التكتيكات السريعة يحتاج إلى تفكير استراتيجي أعمق، والتركيز على بناء علاقات طويلة الأمد مع العملاء بدلاً من الحلول الفورية. هذا يسمح بالنمو المستدام وبناء هوية قوية للعلامة التجارية تستند إلى القيم والروح التي تتبناها.

التسويق الناجح يتطلب توازناً بين الإبداع والتكتيكات الجاهزة. إن استخدام التكتيكات الجاهزة بشكل صحيح كجزء من استراتيجية تسويقية أوسع النطاق يمكن أن يكون مفيداً، ولكن يجب أن يتم توجيهه بعناية وفقًا لأهداف العلامة التجارية واحتياجات السوق.

فقدان الفرصة: تجاهل تحليل البيانات

تجاهل تحليل البيانات في التسويق يشكل إشكالية كبيرة في عالم التسويق الحديث، حيث يعتبر تحليل البيانات أداة حيوية لفهم الجمهور واتخاذ القرارات الاستراتيجية الصائبة. ومع ذلك، يُغرق بعض المسوّقين في تكرار الأخطاء، حيث يتجاهلون تحليل البيانات والاستفادة من التحليلات السابقة مما يؤثر سلبًا على فعالية الحملات التسويقية ونجاح العلامة التجارية.

هذا النوع من التجاهل يا عزيزي قد يقودك إلى قرارات مبنية على الافتراضات بدلاً من الحقائق والأدلة. فهو يحرمك من فهم عميق لاحتياجات الجمهور وتفضيلاتهم ويُجهل الفرص التي يمكنك استغلالها من خلال تحليل البيانات المتاحة. وعلى الجانب الآخر، ستظل في صراع دائم مع من بيدهم تقييم آداءك سواء كان مدير أو عميل، لأنك بهذا التجاهل لن يكون هناك مؤشرات آداء حقيقية يمكنكم الاستناد اليها أثناء عملية التقييم.

ولعلك تتعجب عزيزي المسوّق المحترم عندما تعلم أن الأمر لا يقف فقط عند تجاهل تحليل البيانات، فللأسف الشديد، يقع العديد من المسوّقين في فخ التحليل المبني على أفكارهم ومعتقداتهم ومفضلاتهم الشخصية بدلا من التحليل المهني باستخدام الأدوات الصحيحة، فمثلا، تجد أن بعض المسوّقين قد يحكمون على محتوى منشور على صفحات التواصل الاجتماعي على أساس مدى تقبلهم هم أنفسهم لألوان التصميم والشكل العام بصرف النظر عن الاعتبارات الأساسية كالسوق والعلامة التجارية والجمهور!!

لا تتعجب يا عزيزي، فهذه أحد مستنقعات الأفكار التي يجب أن يخرج منها المسوّق، يجب عدم “شخصنة” التحليل إن جاز التعبير، وللتغلب على هذه الأفكار يجب عليك القيام بالتالي:

  • الاستثمار في الأدوات البيانية والتحليلية: قم بالبحث والاستثمار في الأدوات والبرمجيات التي تسهل تحليل البيانات بشكل فعال. هذه الأدوات يمكن أن تشمل Google Analytics وأدوات تحليل الوسائط الاجتماعية وغيرها، وتُقدم رؤى قيمة حول سلوك العملاء.
  • تحديد الأهداف والمؤشرات الرئيسية للأداء (KPIs): قم بتحديد المؤشرات الرئيسية التي تهمك وتعكس نجاح الحملات التسويقية. استخدم هذه البيانات لتقييم الأداء وتحديد النقاط التي تحتاج إلى تحسين.
  • تحليل البيانات بشكل دوري ومنتظم: قم بجدولة جلسات تحليل البيانات بشكل دوري، وكوّن فريق عمل مختص بتحليل هذه البيانات للاستفادة منها بشكل أفضل.
  • التحليل الشامل: لا تترك أي بيانات جانبية. قم بتحليل البيانات الكمية والنوعية، وخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب الممكنة للحصول على صورة شاملة.

يجب أن تعلم صديقي المسوّق أن التحليل الجيد للبيانات يمكن أن يقدم رؤى قيمة حول سلوك العملاء، وكفاءة حملات التسويق السابقة، وتأثير الإعلانات والمحتوى، مما يمكنك من تحسين الاستراتيجيات وتوجيه الجهود بشكل أفضل.

احذر مستنقع الأفكار

في نهاية الجزء الأول من هذه السلسة المقالية، تذكر عزيزي المسوّق أن التسويق ليس فقط عن الأفكار والتكتيكات، بل عن فهم الجمهور وبناء علاقات قوية معهم. إذا تمكنت من تجنب الوقوع في مستنقع أفكارك وتفادي الأخطاء الشائعة والالتزام بأساسيات وقواعد وأخلاقيات مهنتنا الجميلة، فإنك ستكون على الطريق الصحيح لتحقيق نجاحات ملموسة في عالم التسويق.

تابعوني أعزائي المسوّقين في الأجزاء القادمة حيث سنستكشف معا مشاكل أخرى ومستنقعات أفكار أخرى ونقدم الحلول الملائمة لتجاوز تلك التحديات والوصول إلى استراتيجيات تسويقية أكثر فعالية وإبداعً.

Image by azerbaijan_stockers on Freepik